المدير Admin
عدد المساهمات : 393 تاريخ التسجيل : 18/08/2010
| موضوع: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ الجمعة 29 يونيو - 0:08 | |
|
السلام عليكم ورحمة الله
واحدة من أخطر حيل الشيطان هي المرحلية، أو ما يسميه النص القرآني: الخطوات: (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).
وهذا يعني أنّ الشيطان يتعامل مع النفس البشرية بعلم واحتراف؛ فهو يستدرج الصالحين في خطوات بطيئة، وعلى مراحل حتى يصل بهم إلى أقصى ما يمكنه من الإغواء.
فمن الذكاء والفقه أن يعامل العبد نفسه كما يتعامل معها الشيطان بأسلوب الخطوات.
بمعنى أنّ النفس تستثقل الأهداف الكبيرة والبعيدة ولو كانت ممكنة، ويخف عليها الهدف القريب ولو كان مستحيلاً.
لو فكر المسافر الذي يقطع ألف ميل في نهاية سفره وطوله لربّما كفّ، ولكنه يقطعه على مراحل فيهون سفره، وفي صفة الصفوة لابن الجوزي عن عمرو بن موسى بن فيروز قال: رأيت بِشْراً ومعه رجل فتقدم إلى بئر ليشرب منها فجذبه بِشْر وقال: تشرب من البئر الأخرى، حتى جاوز ثلاثة آبار فقال له الرجل: أبا نصر، أنا عطشان؟ فقال له بِشْر: «اسكُت فهكذا ندفع الدنيا».
قال ابن الجوزي رحمه الله: « مَرّ بي حمالان جذع ثقيل وهما يتجاوبان بإنشاد النغم وكلمات الاستراحة، فأحدهما يصغي إلى ما يقوله الآخر ثم يعيده أو يجيبه بمثله و الآخر همته مثل ذلك، فرأيت أنهما لو لم يفعلا هذا زادت المشقة عليهما و ثقل الأمر، و كلما فعلا هذا هان الأمر.
فتأمّلت السبب في ذلك فإذا به تعليق فكر كل واحد منهما يقوله الآخر و طربه به و إحالة فكره في الجواب بمثل ذلك فينقطع الطريق، و ينسى ثقل المحمول، فأخذت من هذا إشارة عجيبة، ورأيت الإنسان قد حمل من التكليف أموراً صعبة و من أثقل ما حمل مداراة نفسه و تكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية و التلطّف للنفس كما قال الشاعر:
فإن تشكّت فعلِّلها المجرة من... ضوء الصباح و عدها بالروح ضحى
و من هذا ما يُحكى عن بشر الحافي -رحمه الله- عليه سار ومعه رجل في طريق، فعطش صاحبه فقال له: نشرب من هذا البئر؟ فقال بشر: اصبر إلى البئر الأخرى، فلما و صلا إليها قال له: البئر الأخرى، فما زال يعلله ثم التفت إليه فقال له: «هكذا تنقطع الدنيا».
و من فهم هذا الأصل علّل النفس و تلطّف بها و وعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت كما كان بعض السلف يقول لنفسه: «والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلاّ الإشفاق عليك».
و قال أبو يزيد رحمه الله عليه: «ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك».
و اعلم أن مداراة النفس و التلطّف بها لازم و بذلك ينقطع الطريق».
وعن أحمد بن عطاء أبي عبد الله اليربوعي قال: نازعَت عتبة الغلام نفسُه لحماً فقال لها: اندفعي عني إلى قابل، فما زال يدافعها سبع سنين».
نعم: وهذه حيلة شرعية ذكية، فالشيطان يستخدم مع النفس أسلوب الأمنية وتسويف التوبة وعمل الخير، كما قال بعض السلف: «وجدت التسويف جنداً من جنود إبليس قد أهلك خلقاً من خلق الله كثيراً».
فالحصيف من يستعمل مع نفسه نفس الحيلة لتسويف السيئة والمعصية، فإذا حدثته نفسه بالمعصية وألحت عليه ولم تنقطع منّاها وأجّلها وأشغلها حتى تفوت.
والحقيقة أنّ المؤمن مأمور بالاحتيال لدينه كما يحتال لدنياه وأشدّ، وقد تأمّلت فوجدت مراحل عمر الإنسان هي الأيّام، فإذا مضى يومك بلا معصية فقد فزت في مرحلة، والله وحده يعلم هل تدخل سباق المرحلة القادمة أم لا، فإن مدّ الله العمر فمن فاز في يومه السابق قادر إن شاء الله على يومه الحاضر، وإن أخذ الله نفسك كانت آخر مراحل عمرك على خير، وهذا من حسن الخاتمة، ومما يدل على أنّ كل يوم مرحلة هو استيفاء النفس في النوم، وذكر الاستيقاظ الّذي فيه حمد الله على ردّ الروح كإذن من الله تعالى بمرحلة جديدة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
وعن هشام بن حسان قال: كان محمد بن واسع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: «ما ظنك برجل يرحل كل يوم إلى الآخرة مرحلة».
وقال داود الطائي: «إنما الليل والنهار مراحل تنزل بالناس مرحلةً مرحلةً».
وعن محمد بن المثنى قال سمعت ابن أبي عدي يقول: أقبل علينا داود بن أبي هند فقال: «يا فتيان أخبركم لعلّ بعضكم أن ينتفع به، كنت وأنا غلام أختلف إلى السوق فإذا انقلبت إلى بيتي جعلت على نفسي أن أذكر الله تعالى إلى مكان كذا وكذا، فإذا بلغت ذلك المكان جعلت على نفسي أن أذكر الله تعالى إلى مكان كذا وكذا حتى آتي المنزل».
وقال محمد بن إشكاب الصفار حدثني رجل من أهل داود الطائي قال: قلت له يوماً: يا أبا سليمان، قد عرفتَ الرحم بيننا فأوصني، فدمعت عيناه ثم قال لي: «يا أخي إنما الليل والنهار مراحل تنزل بالناس مرحلة مرحلة حتى تنتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل يوم مرحلة زاداً لما بين يديه فافعل؛ فإن انقطاع السفر عن قريب».
وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يقول: «إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح»، وهذا يعني أنّ الأقسام تزيد؛ إذ يصبح كل قسم نصف يوم، وهذا في الحقيقة تابع لطول الأمل وقصره، فإذا كان أمل الإنسان طويلاً زاد طول القسم، وإذا قصر قصر، والسلف -رحمهم الله- كان بعضهم لا يتكسب لأكثر من يوم، بل بعضهم إذا وجد رزق أسبوع تفرغ للآخرة، فهي مواهب ربانية تابعة لقوة الإيمان والبصر في الفقه و الدين.
قال بعض السّلف: «أما بعد، فإن أهل الطاعة قد قدموا بين يدي الأعمال لطيف المعرفة بالأسباب التي يستديمون بها صالح الأعمال، ويسهل عليهم مأخذه، وصيّروا أعمالهم في الدنيا يوماً واحداً وليلة واحدة، كلما مضت استأنفوا النية وطلبوا من أنفسهم حسن الصحبة ليومهم وليلتهم، فكلما مضى عنهم يوم وليلة راقبوا أنفسهم فيها على جميل الطاعة كان عندهم غنماً وذكروا اليوم الماضي فسروا به، وصبروا أنفسهم فيها على المستقبل لانقضاء الأجل فيه أو في ليلته، فأطرحوا شغل القلب بانقضاء تذكر غد، وأعملوا أبدانهم وجوارحهم وفرغوا له قلوبهم، فقصرت عندهم الآمال وقربت منهم الآجال، وتباعدت أسباب وساوس الدنيا من قلوبهم، وعظم شغل الآخرة في صدورهم». | |
|